عناصر مشابهة

حرية التعبير بين المبدأ والتقييد

تفصيل البيانات البيبلوغرافية
المصدر:مجلة المناظرة
الناشر: هيئة المحامين بوجدة
المؤلف الرئيسي: عدلى، خالد (مؤلف)
المجلد/العدد:ع16,17
محكمة:نعم
الدولة:المغرب
التاريخ الميلادي:2014
الصفحات:709 - 727
رقم MD:599549
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
قواعد المعلومات:IslamicInfo
مواضيع:
رابط المحتوى:
الوصف
المستخلص:لقد رأينا كيف ساهم السياق التاريخي الخاص باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن التاج البريطاني في صياغة حماية دستورية لحرية التعبير في إطار التعديل الأول للدستور، بطريقة تمنع على المشرع إصدار قوانين تحد من حرية التعبير، و هو ما يفسر كيف أن قوانين على شاكلة "قانون جيسو" يستحيل أن تصدر في ظل الإطار القانوني المكرس لحرية التعبير بالولايات المتحدة الأمريكية، بل إن المشرع الأمريكي كان يصطدم في كل مرة مع المحكمة العليا عندما يصدر قانونا يقيد حرية التعبير تحت أي ذريعة، إلى درجة أن المحكمة العليا ألغت قانونا يعاقب على حرق العلم الأمريكي معتبرة ان ذلك يشكل وسيلة للتعبير الرمزي عن الرأي جديرة بالحماية. لا شك أن اعتبار حرية الرأي من الحقوق والحريات الأساسية التي لا تتم صيانة كرامة الإنسان إلا بحمايتها، أمر لا يكاد يقع عليه الاختلاف في العصر الحديث، وهو نفس الموقف السائد من اعتبارها شرطا ضروريا لقيام مجتمع ديمقراطي حديث. إلا أن الواقع القانوني لحماية حرية التعبير يفرز إشكالات معقدة ولا يمكن فصلها عن السياقات السياسية والإيديولوجية وعن الصراعات التي تعتمل داخل المجتمعات الحديثة بين القوى المحافظة والقوى التقدمية. فلا غرابة إذا رأينا، على سبيل المثال، أنه عندما قامت مؤسسة Girbaud للملابس سنة 2005 بوضع لافتة إشهارية ضخمة عبارة عن تحويل فنى للوحة الفنان Leonard de Vinci عن "العشاء الأخير" للمسيح، وذلك بإحلال مجموعة من النساء مكان حواريي المسيح في اللوحة مع إظهار رجل واحد في وضع مربك ويحتمل دلالات جنسية غير واضحة، فقد سارعت جمعية Croyances et libertés إلى اعتبار هذه اللوحة الاشهارية سبا وإهانة لمشاعر المسيحيين الكاثوليك الذين يعتبرون لوحة "العشاء الأخير " رمزا دينيا ذو حمولة مقدسة، وقد استطاعت هذه الجمعية ان تجعل المحكمة الابتدائية والاستئنافية تساير رؤيتها وتعتبر اللوحة الاشهارية خارجة عن حدود حرية التعبير وداخلة في نطاق السب والإهانة للمسيحيين الكاثوليك، مصدرين أحكاما تقضي. بمنع اللوحة تحت طائلة غرامة تهديدية 100.000.00 أورو عن كل يوم امتناع. وفي نفس الوقت سارعت "العصبة الفرنسية لحقوق الإنسان " إلى الانتصاب طرفا مدنيا في الدعوى دفاعا عن حرية التعبير، لينقلب الوضع في مرحلة النقض حيث قضت محكمة النقض في الثامن من أبريل 2005 بنقض القرار الاستئنافي مع التصدي في الجوهر برفض طلبات جمعية Croyances et libertés ( ). إن هذا الاضطراب القضائي في ضبط الحدود الفاصلة بين حرية التعبير عن الراي وما يعتبره من يختلف مع الرأي المعبر عنه مسا به أو بقيم يقدسها أو اعتداء معنويا عليه يستوجب التدخل الزجري للمشرع، ليوضح بجلاء أن حرية التعبير كحق إنساني مرتبط، أساسا، بمدى تشبع المجتمع بالثقافة الديمقراطية، الكفيلة وحدها بخلق عقلية احترام قيام المجتمع على التعدد ونسبية الآراء وتقبل مواجهة الرأي بالرأي دون السعي إلى الفصل بينهما بقوة القانون وسلطة الدولة، لتبقى بذلك حرية التعبير مثالا ترنو إلى تحقيقه في صفائه كل المجتمعات الحديثة لكن على تفاوت في درجة تخلصها من القيود السياسية والإيديولوجية والتاريخية التي ما زالت تكبح مسار تكريس حرية التعبير في صيغتها المثلى كما نظر لها فلاسفة الأنوار ولخصتها المقولة المنسوبة ل Voltaire "لست متفقا مع رأيك ولكنى سأقاتل حتى الموت من أجل حقك في أن تقوله ".