عناصر مشابهة

نظرية الوضع اللغوي و مشكلة الاجتهاد الفقهي

تفصيل البيانات البيبلوغرافية
المصدر:الإحياء
الناشر: الرابطة المحمدية للعلماء
المؤلف الرئيسي: المصطفى، تاج الدين (مؤلف)
المجلد/العدد:ع39,40
محكمة:لا
الدولة:المغرب
التاريخ الميلادي:2013
التاريخ الهجري:1435
الصفحات:226 - 237
ISSN:2336-0739
رقم MD:515352
نوع المحتوى: بحوث ومقالات
قواعد المعلومات:IslamicInfo
مواضيع:
رابط المحتوى:
الوصف
المستخلص:إن المقدمات النظرية التي انطلق منها الأصوليون في مجال اللغة كانت ترمي إلى البحث عن الثبات من أجل تحقيق استقرار ما للمدونة التشريعية. ولقد مثل هذا المنحى صدى لمساعي علماء الشريعة إلى تحقيق نوع من الاستقرار الفقهي من خلال الهجوم على مدرسة الرأي من جهة، والإعلاء من قيمة السنن لتحجيم مجال عمل العقل في مقابل توسيع دائرة النصوص. وليس من قبيل المصادفة أن تستند عملية التقعيد اللغوي إلى "سنن العرب في الكلام (السنن، هنا، بفتح السين والنون) وعملية التقعيد الفقهي والأصولي على "السنن والآثار (السنن، هنا، بضم السين وفتح النون). وعليه، فإن البحث عن الثبات والاستقرار في الاجتهاد الفقهي كان له تأثير كبير في العقل اللغوي العربي والذي نحى نحو تأسيس العلاقة بين اللفظ والمعنى على منظور محافظ قائم على "الاستقرار الدلالي" (semantic fixity). إلا أن العقل الأصولي السني وبسبب النزوع النصي وتضخم الروايات الحديثية (النبي) والخبرية (الصحابي والتابعي ولم لا النخبة العالمة المتقدمة أو السلف) لم يبق وفيا لنظرية الوضع اللغوي في الاجتهاد الفقهي وتأويل القرآن، ذلك أن الروايات المتكاثرة تحولت إلى مصدر للدلالات والمعاني، ولم يعد العقل السني في حاجة كبيرة للرجوع إلى مواضعات اللغة ما دام المعنى موجودا في الروايات المصاحبة للنص. والحال أن عدم الاعتماد على مجرد الوضع اللغوي رافق، وبشكل متناغم، إبعاد العقل عن مجالي التأويل والاجتهاد لا من حيث هو آلية من آليات الكشف عن معقولية النص؛ أي العقل بوصفه مدافعا عن النقل، بل من حيث كون العقل قادرا، بحسبانه مناط التكليف، على توجيه النص نحو دلالات تأويلية تستوجبها عمليتان: عملية المواءمة الزمنية (contextualization) وعملية المصالحة المتجددة، نسبة للمصلحة، في مقابل النص غير المتجدد (النصوص متناهية والنوازل غير متناهية كما قال ابن قيم الجوزية) لقد كان الضيق من إخضاع فهم النص لقوانين المواضعات اللغوية ضميما للضيق من إخضاع فهمه لمقولات العقل. وفي الوقت الذي حوربت فيه مدرسة الرأي في بعدها الفقهي والتفسيري فقد حوربت التفاسير اللغوية الأولى التي انضوت تحت عنوان واحد وهو معاني القرآن مع أنها مدونة مهمة للمعاني الأولى للنص والمتلبسة بالوضع اللغوي. وللخروج من هذه التناقض؛ أي الدفاع عن الوضع معينا للدلالة في اللغة نظرياً، وفي الوقت ذاته غض الطرف عنه في الشريعة عمليا، فقد ذهب العقل السني إلى القول بتجدد الوضع اللغوي ووقوع أوضاع جديدة في اللغة من جهة الشرع. وليس ثمة أبرز مثال على هذا المذهب من قولهم بوقوع الوضع الشرعي في الألفاظ، وهو وضع وإن كان لاحقا على الوضع اللغوي الأول، على افتراض وجوده أصلا، فإنه سيصبح الأجدر بإفراز الدلالة وإعطاء المعنى. هكذا انتهى بهم الأمر إلى القول بوجود الحقيقة الشرعية بوصفها نوعا جديدا من الوضع، مع أن ما يلزم عن هذا القول هو أن الشارع؛ إذ أوقع أوضاعا جديدة في اللغة، وأدخل حقائق جديدة فيها فإنه يوشك أن يعرض وظيفته الأولى وهي البيان للخطر، والسبب أن الوضع الجديد، إن صح، فإنه يستوجب الجهل به أول الأمر من متكلم اللغة مما يؤدي إلى تأخير البيان مع قيام الحاجة إليه حين التبليغ. ولقد أبعد بعض الأصوليين النجعة في سعيهم لمعالجة هذا التناقض، فميزوا، تكلفا، بين الوضع والمواضعة؛ لأنهم تصوروا المجاز نقلا للفظ من معني وضعي إلى معنى جديد غير مستقل عن المعنى الأول ولكي يثبت المعني الثاني ويستقر فقد عدوه وضعا جديدا متفرعا عن الوضع الأول وأطلقوا عليه مصطلح الواضعة كما هو واضح عند أبى الحسين البصري في المعتمد.